يطرب الجميع عند سماع التعليقات الإيجابية، لكن على عكس ما يعتقد كثيرون ليس المديح هو أكثر ما ينبغي الاحتفاء به، ولا أثمن ما تقدمه تقارير الرصد والتحليل الإعلامي والاستماع إلى منصات التواصل الاجتماعي.
صحيح أن الانطباعات الإيجابية مفيدة في معرفة مواطن القوة، ويمكن توظيفها في الحملات الترويجية، والاستفادة منها في تحسين الصورة الذهنية، لكنها في النهاية تخبرك بما يُرَجَّح أنك على دراية به مسبقًا، ولو اكتفيتَ بها فإنك تخاطر بالوقوع في فخ الرضا عن النفس والتعامي عن المخاطر.
أما التغطيات النقدية والانطباعات السلبية فهي التي تُبَصِّرك بمواطن ضعفك، وتكشف لك ما يزعج جمهورك، وتضع أصبعك مباشرة على موضع الألم، وتساعدك على تحسين أدائك، ولذلك فهي هدية ثمينة.
صحيح أن الاستماع إلى النقد مزعج، لكنها عتبة لا مفر من اجتيازها حتى تصل إلى أهدافك وتحقق النجاح المرجو.
ولا أخطر من أن تستمع فقط إلى ما يروقك؛ لأن ذلك سيصنع فقاعة مريحة تحبس نفسك بداخلها، بينما العالم من حولك له رأي آخر لا تعرف عنه شيئًا.
الشك نعمة
كل التجارب الناجحة تسلك هذا الطريق؛ بدءًا من الدول مرورًا بالشركات وحتى الأفراد.
ومن يستنكف عن الاستماع إلى ما يزعجه؛ يدفع ثمنًا باهظًا، قد لا يقتصر على الأزمة الإعلامية، بل يصل إلى حد الهزيمة الحربية.
كان هذا أحد الدروس التي استفادتها جامعة تل أبيب من حرب 6 أكتوبر 1973، ودفعتها إلى تأسيس معهد دراسات الأمن القومي INSS، بعدما توافق عدد من الباحثين داخل الجامعة وخارجها على أن أحد أسباب مباغتة إسرائيل بالحرب كان عدم وجود جهة مستقلة خارج المؤسسة الأمنية مكلفة بتقييم الأسس التي استندت إليها سياسة الحكومة، ووجهت خطط المؤسسة الدفاعية.

ولو كانت هذه المؤسسة البحثية موجودة لكانت شككت في صحة الافتراضات التي بني عليها تقييم الاستخبارات باستبعاد نشوب الحرب.
جوارب نتفليكس
في المقابل، من يجرؤ على الاستماع إلى الانتقادات يكتشف فرصًا لم يكن سيتأتى له معرفتها أبدًا من غير هذا الطريق.
وهذه أفضل وسيلة لتحسين المنتجات والخدمات أو لتقديم منتجات وخدمات مبتكرة تلبي احتياجات الجمهور مباشرة.
أحد الشركات التي أدركت أهمية هذا الأمر واستثمرته لصالحها، ليس فقط في تطوير منتجاتها ولكن أيضًا لإطلاق حملة تسويقية ذكية، هي: نتفليكس.
تحدث المشتركون عن “مشكلة طريفة” هي أنهم يغطون في النوم أثناء المشاهدة.
رصدت نتفليكس تلك الشكاوى، ورأت فيها فرصة سانحة.
ماذا فعلت؟
اخترعت جوارب نتفليكس Netflix Socks.
هي جوارب ذكية مزودة بمستشعر خاص يرصد ما إذا كنت مستيقظًا أم غلبك النوم.

إذا أخذتك غفوة، ترسل الجوارب إشارة إلى التلفاز لوقف العرض تلقائيًا حتى تستيقظ، وبذلك لا تفوتك أي لقطة من برنامجك أو مسلسلك أو فيلمك المفضل.
مع هذه الجوارب، لن تستيقظ بعد الآن بعد موسمين من المسلسل لتتساءل ماذا حدث وأنا خارج نطاق التغطية؟ ولن تفتح عينيك على مشهد من الحلقة الأخيرة يفسد عليك الحبكة كلها.
طبقت شهرة هذه الجوارب الآفاق، وغرد عنها المشاهير، وحققت أكثر من مليار ظهور إعلامي، وفي غضون ثلاثة أسابيع فقط من إطلاقها تكرر ذكرها 49 مرة في الساعة الواحدة على تويتر، وتحدث عنها نحو 20 ألف شخص عبر 1175 تغريدة يوميًا.
تُوِّجت هذه الشهرة بنيل جائزة شورتي Shorty Awards عن الابتكار في استخدام التكنولوجيا Creative use of Technology، والأهم أن الابتكار ربط كثيرين بالعلامة التجارية، وحول الشكوى إلى فرصة للاحتفاء بطقوس المشاهدة والترويج لأعمال نتفليكس.
فهم السوق
ليس بالضرورة أن تكون مواطن الضعف والانتقادات متعلقة بك أنت أو بمؤسستك، بل من المفيد أيضًا معرفة ما يتعلق منها بمنافسيك.
هل عملاؤهم راضون عن محتواهم، وخدماتهم ومنتجاتهم؟
وماذا تقول عنهم وسائل الإعلام بمختلف قنواتها؟
كل انتقاد يوجهه العملاء إلى منافسك في جوهره فرصة ذهبية لتقديم حل لتلك المشكلة.
أو قد تكون تلك الانتقادات متعلقة بالسوق بأكمله؛ سواء كانت مشكلة مزمنة أو منتج أو خدمة لم يقدمها أحد بعد.
هذه فرصة ذهبية أخرى لتقديم حل يتطلع إليه الناس.
أو قد تكون إشارة مبكرة إلى توجه سيسود بعد أشهر أو حتى سنوات، ويقود الصناعة بأكملها إلى اتجاه جديد.
من سيلتقط تلك الإشارة الآن، سيكون الأقدر على قيادة السوق وتلبية تطلعات الجمهور غدًا.

سواء كنت جهة حكومية، أو مؤسسة إعلامية، أو مركز أبحاث، أو شركة خاصة، أو منظمة غير ربحية؛ لا تخجل من الانتقادات، ولا تهرب من مواطن الضعف، بل تعامل معها من الآن على أنها أحد أقوى أدواتك للتطوير والتفوق.
كل ما تحتاجه: إرادة صادقة، وعين أمينة ترصد تلك الانطباعات وتحللها لتخرج منها بتوصيات قابلة للتطبيق.

هل أنت مستعد لخوض هذه المغامرة؟
يحدونا الشغف لصناعة قصة النجاح القادمة سويًا.